فصل: (سورة المؤمنون: الآيات 39- 41).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخبرنا عبد الخالق بن على قال: أخبرنا إسماعيل بن نجية قال: حدّثنا محمد بن عمار بن عطية قال: حدَّثنا أحمد بن يزيد الحلواني قال: حدّثنا خلاد عن إبراهيم بن الزبرقان عن محمد ابن حمّاد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {والذين يأتون ما آتوا} من المجيء».
وأخبرنا الحاكم أبو منصور حمد بن أحمد البورجاني قال: حدَّثنا على بن أحمد بن موسى الفارسي قال: حدّثنا محمد بن الفضيل قال: حدّثنا أبو أُسامة قال: حدّثني ملك بن مغول قال: سمعت عبد الرَّحْمن بن سعيد الهمداني ذكر أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله؟ قال: «لا يا ابنة الصدّيق ولكن هو الذي يصوم ويصلي ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله سبحانه».
وأخبرنا عبد الله بن يوسف قال: حدَّثنا محمد بن حامد قال: حدَّثنا محمد بن الجهم قال: حدَّثنا عبد الله بن عمرو قال: أخبرنا وكيع عن ملك بن مغول عن عبد الرَّحْمن بن سعيد بن وهب عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله {والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال: «لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه».
{أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا} يعني إليها {سَابِقُونَ} كقوله لما نُهوا عنه و لما قالوا ونحوهما، وكان ابن عباس يقول في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة ولذلك سارعوا في الخيرات.
{وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} يعني إلاّ ما يسعها ويصلح لها من العبادة والشريعة: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} يعني اللوح المحفوظ {يَنطِقُ بالحق} يبيّن بالصدق ما عملوا وما هم عاملون من الخير والشر، وقيل: هو كتاب أعمال العباد الذي تكتبه الحفظة وهو أليق بظاهر الآية.
{وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يعني يوفّون جزاء أعمالهم ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
ثمَّ ذكر الكفار فقال عز من قائل: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} عمى وغفلة {مِّنْ هذا} القرآن {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ} خبيثة لا يرضاها الله من المعاصي والخطايا {مِّن دُونِ ذلك} يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله سبحانه، قيل: وهي قوله: {إِنَّ الذين هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ}.
{هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} لابد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة.
{حتى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ} يعني اغنياءهم ورؤساءهم {بالعذاب} قال ابن عباس: بالسيوف يوم بدر، وقال الضحّاك: يعني الجوع وذلك حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقدّ والأولاد».
{إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} يضجّون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرّع كما يفعل الثور، قال الشاعر:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة ** وكان النكير أن تضيف وتجأرا

يصف بقره. وقال أيضًا:
يراوح من صلوات المليك ** فطورًا سجودًا وطورًا جؤارا

{لاَ تَجْأَرُواْ اليوم إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وتضرّعكم.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} يعني القرآن {فَكُنتُمْ على أَعْقَابِكُمْ} أدباركم {تَنكِصُونَ} تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى، مكذّبين بها كارهين لها {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي بالحرم تقولون: لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم، وهو كناية عن غير مذكور {سَامِرًا} نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت، ووحّد سامرًا وهو بمعنى السمّار لأنّه وضع موضع الوقت، أراد: تهجرون ليلًا، كقول الشاعر:
من دونهم إنْ جئتهم سمرًا ** عزف القيان ومجلس غمر

فقال: سمرًا لأن معناه: إنْ جئتهم ليلًا وهم يسمرون، وقيل: واحد ومعناه الجمع كما قال: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67] ونحوه.
{تَهْجُرُونَ} قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم أي تفحشون وتقولون الخنا، يقال اهجر الرجل في كلامه أي أفحش، وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الجيم ولها وجهان:
أحدهما: تعرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن والإيمان وترفضونها.
والآخر: يقولون سوءًا وما لا يعلمون، من قولهم: هجر الرجل في منامه إذا هذى.
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ} يتدبّروا {القول} القرآن {أَمْ جَاءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأولين} فأنكروه وأعرضوا عنه، ويحتمل أن يكون أم بمعنى بل، يعني: بل جاءهم ما لم يأتِ آباءهم الأولين فكذلك أنكروه ولم يؤمنوا به، وروي هذا القول عن ابن عباس.
{أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ} محمدًا وأنّه من أهل الصدق والأُمانة. {فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} جنون، كذبوا في ذلك فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يعقل ولا معنى له، {بَلْ} محمد {جَاءَهُمْ بالحق} بالقول الذي لا يخفى صحته وحسنه على عاقل {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ وَلَوِ اتبع الحق} يعني الله سبحانه {أَهْوَاءَهُمْ} مرادهم فيما يفعل {لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} ببيانهم وشرفهم يعني القرآن.
{فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ} على ما جئتهم به {خَرْجًا} أجرًا وجعلًا وأصل الخرج والخراج الغلّة والضريبة والأتاوة كخراج العبد والأرض.
وقال النضر بن شميل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال: الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه، والخرج ما تبرّعت به من غير وجوب.
قال الله سبحانه: {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} رزقه وثوابه {خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وهو الإسلام.
{وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ} عادلون، مائلون، ومنه الريح النكباء. اهـ.

.قال الزمخشري:

. [سورة المؤمنون: الآيات 36- 38].

{هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)}.
قرئ {هَيْهاتَ} بالفتح والكسر والضم، كلها بتنوين وبلا تنوين، وبالسكون على لفظ الوقف فإن قلت: ما توعدون هو المستبعد، ومن حقه أن يرتفع بهيهات، كما ارتفع في قوله:
فهيهات هيهات العقيق وأهله

وضمها: لغة بعضهم. وكرره للتوكيد وزيادة التحزن. والعقيق: الوادي الذي شقه السيل، وهو هنا واد بظاهر المدينة المشرفة. مرفوع على الفاعلية بالأول، والثاني لا فاعل له. وأجاز أبو على الفارسي أنه من باب التنازع، فهو مرفوع بأحدهما، وضميره مستتر في الآخر، فهو توكيد مفرد على الأول، وجملة على الثاني. وأجاز ابن مالك أنه فاعل لهما لاتحادهما لفظا ومعنى. وانظر كيف ذكر أولا مكان الأحبة، ثم ذكر من فيه على العموم، ثم ذكر خله على الخصوص، وتدرج في ذلك حتى توصل إلى ذكر الوصال، وهو مقصوده الذاتي، فللّه در العرب ما ألطفها صنيعا، وأدقها عبارة، والخل- بالكسر-: الخليل، كالحب بمعنى الحبيب. ويروى: العقيق وأهله فما هذه اللام: قلت قال الزجاج في تفسيره: البعد لما توعدون، أو بعد لما توعدون فيمن نوّن، فنزله منزلة المصدر. وفيه وجه آخر: وهو أن يكون اللام لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد، كما جاءت اللام في هَيْتَ لَكَ لبيان المهيت به.
هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه من بيانه. وأصله إن الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ثم وضع هِيَ موضع الحياة، لأنّ الخبر يدل عليها ويبينها. ومنه: هي النفس تتحمل ما حملت، وهي العرب تقول ما شاءت. والمعنى: لا حياة إلا هذه الحياة لأن إن النافية دخلت على هي التي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها، فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفى الجنس {نَمُوتُ وَنَحْيا} أى يموت بعض ويولد بعض، ينقرض قرن ويأتى قرن آخر، ثم قالوا: ما هود إلا مفتر على اللّه فيما يدعيه من استنبائه له، وفيما يعدنا من البعث، وما نحن بمصدّقين.

. [سورة المؤمنون: الآيات 39- 41].

{قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)}.
قَلِيلٍ صفة للزمان، كقديم وحديث، في قولك: ما رأيته قديما ولا حديثا. وفي معناه:
عن قريب. و ما توكيد قلة المدّة وقصرها {الصَّيْحَةُ} صيحة جبريل عليه السلام: صاح عليهم فدمّرهم {بِالْحَقِّ} بالوجوب، لأنهم قد استوجبوا الهلاك. أو بالعدل من اللّه، من قولك: فلان يقضى بالحق إذا كان عادلا في قضاياه: شبههم في دمارهم بالغثاء: وهو حميل السيل مما يلي واسودّ من العيدان والورق. ومنه قوله تعالى: {فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى} وقد جاء مشدّدا في قول امرئ القيس:
من السّيل والغثّاء فلكة مغزل

. [سورة المؤمنون: الآيات 42- 43].

{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43)}.
{قُرُونًا} قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بنى إسرائيل {أَجَلَها} الوقت الذي حدّ لهلاكها وكتب.

. [سورة المؤمنون: آية 44].

{ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44)}.
{تَتْرا} فعلى: الألف للتأنيث، لأنّ الرسل جماعة. وقرئ: {تترى} بالتنوين، والتاء بدل من الواو، كما في: تولج، وتيقور، أى: متواترين واحدا بعد واحد، من الوتر وهو الفرد: أضاف الرسل إليه تعالى وإلى أممهم {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ} {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} لأنّ الإضافة تكون بالملابسة، والرسول ملابس المرسل والمرسل إليه جميعا {فَأَتْبَعْنا} الأمم أو القرون {بَعْضَهُمْ بَعْضًا} في الإهلاك {وَجَعَلْناهُمْ} أخبارا يسمر بها ويتعجب منها. الأحاديث: تكون اسم جمع للحديث. ومنه: أحاديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وتكون جمعا للأحدوثة: التي هي مثل الأضحوكة والألعوبة والأعجوبة. وهي: مما يتحدّث به الناس تلهيا وتعجبا، وهو المراد هاهنا.

. [سورة المؤمنون: الآيات 45- 46].

{ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْمًا عالِينَ (46)}.
فإن قلت: ما المراد بالسلطان المبين؟ قلت: يجوز أن تراد العصا، لأنها كانت أمّ آيات موسى وأولاها، وقد تعلقت بها معجزات شتى: من انقلابها حية، وتلقفها ما أفكته السحرة، وانفلاق البحر، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها، وكونها حارسا، وشمعة، وشجرة خضراء مثمرة، ودلوا ورشاء. جعلت كأنها ليست بعضها لما استبدت به من الفضل، فلذلك عطفت عليها كقوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} ويجوز أن تراد الآيات أنفسها، أى: هي آيات وحجة بينة {عالِينَ} متكبرين {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرض} {لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض} أو متطاولين على الناس قاهرين بالبغي والظلم.

. [سورة المؤمنون: الآيات 47- 48].

{فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)}.
البشر يكون واحدا وجمعا: {بَشَرًا سَوِيًّا} {لِبَشَرَيْنِ} {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ} و{مثل} و{غير} يوصف بهما: الاثنان، والجمع، والمذكر، والمؤنث: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُم}، {وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} ويقال أيضا: هما مثلاه، وهم أمثاله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُم}. وَقَوْمُهُما يعنى بنى إسرائيل، كأنهم يعبدوننا خضوعا وتذللا. أو لأنه كان يدعى الإلهية فادعى للناس العبادة، وأن طاعتهم له عبادة على الحقيقة.